الاثنين، 24 ديسمبر 2012

بين المادة والروح (1) الصلح


هذه مقالة من سلسلة مقالات لبحث بدأته منذ حوالي 4 سنوات وسأوالي نشر ما هو مناسب منه 


صنع الإنسان عداء مستحكم بين المادة والروح
في عصور قديمة كانت كل علوم المادة يتم تفسيرها بالروح والسحر والخرافات دون اللجوء للعلم والمنطق والقياس والتجربة
وفي العصر الحديث كل علوم الروح تم رفضها من قبل علماء المادة وتركت لرجال الدين أو الدجالين
لو سألت رجل دين أو دجال (لا أقصد أنهما متساويين ولكن إهتماماتهما واحدة وهي الروح) إذا سألته لماذا لا تلجأ في تفسير أمور الروح بالعلم ؟ فأنه يستنكر ذلك ويعتبره تحقيرا للروح وإنزالها لمستوي المادة وهذا لا يليق في نظرهم ويعتبروه إهانة لهم ولخالق الروح
وإذا سألت أي رجل يعمل في علوم المادة أو ملحد نفس السؤال فأنه سوف يسخر من شيء وهمي أسمه الروح ويعتبر أن السؤال نفسه يدخل في باب الخزعبلات والأوهام ولا يليق برجل علم عاقل أن يتدخل في أمور الدجل هذه .

عندي ثلاث أسئلة لرجل الدين والمؤمنين بالروح :
السؤال الأول : من الذي أكتشف أن الأرض تدور حول الشمس ؟ هل تم معرفة ذلك بوحي منزل ؟
الإجابة : من أكتشف هو العلم
السؤال الثاني : إذا مرض رجل الدين أو المؤمن بالروح هل سيكتفي بالصلاة أو بالعلاج الروحاني (كمسحة المرضي عند المسيحيين أو الحجامة والطب النبوي وما شابه عند المسلمين أو الأعمال السحرية عند الدجالين) ؟
الإجابة : لا طبعا كل رجال الدين وكل من يدعون الشفاء بالروح يذهبون للعلماء وللأطباء
السؤال الثالث : لماذا كان قديما يتم التطبيب ودراسة الفلك عن طريق أسلافكم من رجال الدين والروحانيين
الإجابة : (في رأيي) قد يكون السبب أن الروح كانت تعمل قديما بطرق قوية واضحة لكي تعوض ما يعجز عنه العقل البشري في مرحلة الطفولة العقلية للبشرية في وقتها . أما الأن فأن الروح تعمل في خفاء اكثر من خلال العقل البشري الذي تطور ونضج كفاية لكي يستقبل مواهب الروح ويبدع ويكتشف ويخترع .

وبالمثل توجد ثلاثة أسئلة لرجل العلم والملحد :
السؤال الأول : إذا كان العلم لا يهتم بالروح لأنه لا يؤمن إلا بما يمكن قياسه والإستدلال عليه . فهل العلم يعرف ما هي الحياة ؟ ولماذا لا يمكن بث الحياة في المادة ؟ وما هو لموت ؟ (أنا لا ألوم العلماء علي جهلهم بكل ذلك ولا أريد أن أثبت قصورهم وفشلهم) ولكن الهدف من السؤال إثبات فكرة ستظهر في الإجابة علي السؤال بعد قليل
السؤال الثاني : من المعروف أن العلم تراكمي , بمعني أن العلم والمعرفة تتراكم منذ بدء البشرية . عندما تضمحل حضارة في منطقة تبدأ حضارة في منطقة أخري من حيث إنتهت الحضارة السابقة . هذا ما يذكره التاريخ وما نراه حولنا .
والسؤال هو : كيف لا يستطيع العلم الحديث أن يقلد أو حتي يفسر الحضارة العلمية الفرعونية التي كانت موجودة منذ ألاف السنين في وقت لم تكن البشرية تمتلك من العلم والمعرفة جزء من 100 من المتاح حاليا ؟ أي منطق وأي تفسير يقدمه العلماء يقنعنا بعجزنا عن بناء هرم بنفس دقة وبنفس أسلوب أهرامات الجيزة , أو بعجزنا عن تحنيط قطة بنفس أسلوب التحنيط في مقابر الفراعنة ...الخ ؟
السؤال الثالث : لماذا دائما لا يجد رجل العلم حرج في أن يقول (لا أعرف) عند سؤاله عن أمور في الذرة أو الكون أو الحياة...الخ وهو محق في هذه الإجابة وكلمة لا أعرف لا تقلل ثقتنا في العلم ولا تشككنا فيه ولكن عندما يجاوب أهل الروح علي أي سؤال أو تفسير برد (لا أعرف) فأن أهل العلم يرفضوا هذا الرد ويعتبروه هزيمة لفكرة الروح وفضح لوهم الروح ؟

المقصود :
الإنسان مادة وروح
توجد حضارات قديمة (أشهرها الفرعونية) كان من يعمل بالعلوم المادية من طب وفلك وكمياء ...الخ هم كهنة (أهل الروح) , ووصلت هذه الحضارات لمستويات وإنجازات علمية إذا قورنت ببدائية المعرفة والأدوات في وقتها فأنها تعتبر أكثر تقدما عن حالنا الأن
وتوجد فنون (موسيقي ورسم ونحت...الخ) قديما لم يصل أحد حديثا لمستوي إتقانها وإبداعها في الزمن الحاضر
وتوجد حضارات فصلت علم الروح عن المادة وحاربت علوم المادة وقام أنصار علوم الروح (من رجال دين ودجالين) بمطاردة وسجن وحرق وقتل من يثبت حقيقة علمية لا توافق هواهم أو تفسيراتهم أو تهدد وجودهم وسطوتهم . لأن علماء الروح هؤلاء خانوا علمهم وأمانتهم وفسدوا وبدلا من أن يكونوا خدام لعلمهم وللبشرية إستخدموا علمهم المفترض لكي يربحوا ويصبحوا أسياد للبشر وبالتالي إنحدرت وفشلت هذه الحضارات وسميت بعصور الظلمة .
ولكن
ألم نقع نحن أهل العصور الحديثة في نفس الخطأ ونخاف جدا بل أحيانا نُحرم الدمج ما بين المادة والروح ؟
نعم أغلب علماء الروح سابقا وحاليا مدعين أو أشرار أو دجالين ولكننا نفرط في جزء مهم من إنسانيتنا عندما نترك هذا الجزء من الوجود لهم ليصبحوا هم الأوصياء عليه
لماذا نعتبر أن الميتافيزياء هي ضد الفيزياء وعدوتها ؟ لماذا عندما يتكلم أحد عن ما وراء الطبيعة نعتبره شخص مختل ؟ هذا شيء بداخلنا كلنا , نحسه ولكننا لا نعرف كيف نعبر عنه ونكتمه
كل العلماء العظماء مثل ديمقريطيس وجاليليو ونيوتن أنهوا حياتهم كفلاسفة لأنهم وجدوا أن علم المادة يصل لحافة وحاجز غير مرئي ولكنه بداخل الإدراك وهو الروح
وأخر العلماء الفلاسفة العظماء هو أينشتاين
أينشتاين ذلك اليهودي الآتي روحيا من شعب الله (قديما) والألماني الآتي من ماديا من بلاد العلم (حديثا) والذي ذهب بالمادة إلي حالة الطاقة وهي الحالة الأقرب للروح
هل لو تعامل أينشتاين مع المادة بمنطق قوانين الفيزياء التقليدية (فيزياء نيوتن) كان سيصل للنسبية ؟ لا لأن قوانين النسبية وأن كانت لا تتعارض مع قوانين نيوتن إلا أنها تتعامل مع مستوي مختلف للمادة لم يتعامل معه نيوتن وبعمق أكبر
ستحتاج الروح لقوانين مختلفة ورؤية وتفكير مختلف ولكن هذه القوانين وهذا النظام موجود ومنتظر من يكتشفه
لقد بدأ أينشتاين الطريق الذي مهده كل من جائو قبله
لقد قفز أينشتاين قفزة كبيرة والبشرية تنتظر من يقفز القفزة التالية والأكبر
لن أطلب من أهل الروح أن يستعينوا بالعلم لأنهم متكبرين وتخلوا عن رسالتهم وحولوها لمهنة ولسلطة , هؤلاء أخر ما يُنتظر منهم أن يستخدموا العلم لإثبات إعجاز إيمانهم الضعيف
ولكن الأمل في أهل العلم والذين عادتا يملكون العقل والأخلاق والمبادىء والرغبة والمنطق أن يستردوا للبشرية ما سُرق منها (علم وفيزياء الروح) .

الخلاصة :
مر علي البشرية وقت وصلت فيه علوم الروح لدرجة متقدمة جدا إلي أن تم سرقة هذا العلم من قبل رجال الدين والدجالين وحرموا هذا العلم من توأم روحه (علوم المادة) وأصبحت علوم الروح سيئة السمعة وأضحوكة وساحة حروب ومولد للكراهية بين البشر
ومر علي البشرية وقت (هو الأن) حيث وصلت علوم المادة لدرجة متقدمة جدا ولكن قام العلماء بحرمانه من توأم روحه (علوم الروح) إلي أن أصبحت علوم المادة تهدد الوجود البشري كله .

النهاية :
الإنسان يتكون من مادة وروح والإنفصال بينهما هو الموت
نحن نموت قبل أواننا وما تحتاجه البشرية الأن هو الصُلح بينهما
هذه ليست دعوة للدجل أو الخرافات وليست دعوة لتدنيس وإهانة الروح وإنزالها من عرشها السامي وليست دعوة لإثبات الإعجاز العلمي المزعوم في الكتب التي يعتبرها أصحابها سماوية
هذه دعوة للصلح بين المادة والروح
لكي يتم صُلح الإنسان مع ذاته (مادته مع روحه)
وأنا أؤمن أنها ستحدث يوما 

هناك تعليقان (2):