تجربة 5001 (مسلم ومسيحي)
أرجو قراءة التدوينة الأساسية لهذه السلسلة تجربة 5001 قبل البدء في قراءة هذه التدوينة لتكتمل الفكرة http://logic-emile.blogspot.com/2011/10/5001_30.html
سأبدأ بالنقطة الأساسية التي تشغل بال المصريين الأن أكثر من أي وقت أخر وهي الطائفية
المعهد الذي أعمل به يتبع هيئة مسيحية ويديره رهبان من جنسيات مختلفة ويوجد صليب كبير علي واجهة كنيسته المطلة علي ميدان روض الفرج وفي أغلب فصوله وقاعاته يوجد صور ورموز دينية . وبالتالي يكون الشعور عند أغلب طلبة الكورس كما يلي :
- المسلم :
يكون في البداية متوتر ومتحفز وقد يفكر البعض بأن كل هذا واجهة لعملية تنصير وإغراء ستنكشف مع الوقت . وبالتالي في البداية يمكن تفسير أي فعل أو قول عفوي بتفسيرات طائفية , فمثلاً إذا أغلقت الباب صدفة وقت الأذان يمكن تفسير ذلك بأني أتعمد منع صوت الأذان عنهم . ولكن مع الوقت والتقارب الأنساني بيننا وحرصي الشديد لعدم عمل أي هفوة أو قول أو فعل يمكن تفسيره بالخطأ تبدأ هذه الحالة في الهدوء (لا تنقطع تماماً ولكن تهدأ).
- المسيحي :
يكون عنده نوع من الراحة والزهو والإحساس بأنه مميز عن المسلم ويحس بإحساس يفتقده عادتاً في حياته في مصر , إحساس المساواة وعدم خوفه من الإضطهاد والتمييز بسبب ديانته المسيحية . وأحياناً يتعمد البعض إظهار مسيحيته لي (أنا أسمي مينا – أنا أتأخرت علشان كان عندي خدمة في الكنيسة ....ألخ) لكي يضمن تعاطفي مبكراً وأنحيازي له . وعندما يجد تجاهل مني لهذه النقطة ومع مرور الوقت يعرف أنها ليست نقطة تفضيل له عن الباقين ويعرف أنه لا يجب أن يطلب المساوة عندما يكون مضطهد ومستضعف , ويطلب التمييز عندما يملك الأفضلية .
- ملحوظة :
منذ 20 عاماً وإلي الأن القاعة التي أعمل بها لم يوضع فيها أي صورة أو إشارة دينية . وفي كلامي أنا وتعاملي معهم كمعلم وكمسئول أتعمد أن لا أذكر أي تلميحات أو ألفاظ لها دلالة دينية . ولم يحدث طوال 20 عاماً مع ال 5000 شخص أن دخلت في نقاش ديني أو سياسي أثناء الكورس وذلك لأني في مركز مسئولية وأملك ميزة القيادة وتقييم شهادة الكورس وبالتالي سيكون رأيي أقوي من رأيهم وسيكون عليهم حرج في الإفصاح عن رأيهم وأختلافهم معي وسيكون النقاش غير متكافيء.
- تعامل المسلمين والمسيحيين أثناء الكورس :
للأسف يكون في البداية التعامل علي أساس طائفي , فكل شخص يعامل الأخر من خلال أسمه (مينا , حسن ) أو مظهره ( الدبلة الدهب أو الصليب بيده أو الذقن أو زبيبة الصلاة في وجهه) ويبدأو منذ اللحظة الأولي في بناء الأسوار بينهم ومع مرور الوقت يبدأو في التعامل مع بعض كأدميين وبإنسانية ويحدث هذا تدريجياً وقد لا يحدث ولكن يوجد بأستمرار صراع داخل النفوس . العقل كل فترة يذكر صاحبه : أنتبه لقد تماديت ونسيت أنك تتباسط وتميل لشخص ليس من دينك خذ حذرك , أرجع لعقلك ولا تتمادي أكثر من ذلك . العقل يميل للتعامل الطائفي والتفريق (لأنه من ملء البشر) أما الفطرة الإنسانية والقلب فيميلان للتعامل الإنساني والتعاطف الوجداني (لأنهم من ملء الخالق).
يظل هذا الصراع مستمر يعلو وينخفض يظهر ويتواري ولكنه لا ينقطع أبداً صراع مرهق ومؤلم.
- الدعوة والتبشير :
يحدث كثيراً أن يتعامل المسلمين والمسيحيين مع بعضهما بطريقة مثالية وملائكية وكلً منهما يريد أن يثبت للأخر أن عقيدته هي الأفضل والدليل هو تقواه ومثاليته . المسلم يعتبر هذا جزء من الدعوة للإسلام والقبطي من ناحيته يعتبر أنه يبشر بالمسيحية . وقد يظهر هذا كشيء جيد وحميد (علي الأقل أفضل من إقتتالهم مع بعضهم البعض) ولكن هذا في أغلبه يكون تمثيل الفضيلة وليس العيش بها , إرتدائها من الخارج وليس وجودها بالداخل . هذا إدعاء وإستعلاء مظهري بالفضيلة والعقيدة .
إذا تظاهرت بفضيلة غير متواجدة في داخلي لمجرد الدعوة والتبشير بعقيدتي وإظهار أنها الأسلم فأنا كمثل الذي يتظاهر بالحب ليستطيع عمل علاقة مع فتاة.
طوال 20 عاماً ومع 5000 شخص لم يحدث أبداً أن قام شخص منهم بتغيير ديانته وعقيدته لمجرد تعامله مع شخص جيد وفاضل من عقيدة أخري . ولكن رأيت كيف أن الأشخاص الجيدون والأفاضل (فعلاً وليس تمثيلاً ومظهرياً) يؤثرون علي من حولهم ويكونون نور لهم ويأخذون بنفوسهم الضعيفة المشوشة لمستويات أعلي وأرقي . أما الممثلين ومدعين الفضيلة والمتدينين شكلياً والذين يبذلون مجهود شديد في الدعوة والتبشير فمجهودهم يضيع هباء ولا يؤثرون في أحد.
ما تعلمته وعرفته مع الزمن ومن هؤلاء الأشخاص أن الله يريد نفوس الناس وقلوبهم وليس تحويل أسمائهم من مينا إلي حسن أو العكس , الله لن يقبل صنعة يديه من خلال بطاقة الرقم القومي . ما تعلمته كمسيحي من هذه التجربة هو أن من يعمل مشيئة المسيح هو مسيحي وأن الأيمان ليس بالفم والطقوس ولكن بالأعمال والأعمال تنبع من القلب . أيماني الذي سيختلف معه الأغلبية (مسلمين ومسيحيين) أنني قابلت الكثير من المسيحيين الذين أسمهم حسن وعلاء وأحمد ....الخ , والذين لم يمارسوا الطقوس المسيحية طوال عمرهم (العماد والتناول ....الخ) والذين لم يدخلوا كنيسة أبداً . أيماني أني يجب أن أكون مثلهم لكي يقبلني الله.
من يريد أن يعمل مع الله فليحاول أن يغير النفوس والقلوب ويكف عن المجهود الضائع في تغيير الأسماء والبطاقات.
- الجهل وسوء الفهم :
القبطي والمسلم يعيشان معاً منذ حوالي 1400 سنة ومع ذلك يجهل كل منهما الأخر مما يسبب سوء نية متبادل وهذا شيء غريب غير مفهوم ويحتاج لدراسة وتفكير
فالمسلم المصري يري المسيحي المصري ثعبان يهدف لإغراءه وتنصيره والمسيحي يري المسلم ذئب أو أسد جائع وشيطان ينتظر الفرصة المواتية للإنقضاض عليه وقتله وسرقة أمواله وإغتصاب زوجته. المسلم يري المسيحي إنسان منحل أخلاقياً وشارب خمر ...الخ وأي فضيله به هي إدعاء وخبث وتكتيك يخفي وراءه نوايا سيئة. والمسيحي يري المسلم شخص لا يمتلك أي فضيلة وأدني منه أخلاقياً وعبادته وعلاقته بالله علاقة وهمية والله لا يقبل صلاته وعبادته .
كلاً منهما يري الأخر شخص غير كامل الإنسانية وللأسف يوجد إحتقار متبادل .
الحقيقة التي رأيتها في 5000 شخص متنوعين ومختلفين أنه لا يوجد فرق كبير بينهما , مميزاتهما متشابهة وعيوبهما متشابهة والإختلاف في الشكليات والألفاظ ونوعاً ما في الأسلوب وليس في الجوهر. هذه الحقيقة يرفضها المسلمين والأقباط .
- المشي علي الحبل بيني وبين المسلم والمسيحي :
القيادة مسئولية , فكوني معلم وفي مركز قيادة فهذه مسئولية كبيرة فكل قول أو فعل يجب أن يكون بحساب وخصوصاً عندما يوجد هذا التحفز الطائفي ولذلك دائماً أحس أني ماشي علي الحبل وهذا شيء مرهق ولكن يستحق فعندما ينتهي الكورس ويكون الترتيب الأول من نصيب شخص مسيحي ويشكرني ملمحاً بأني قد ساعدته وتعاطفت معه فأني أؤكد وأشدد عليه بأن هذا من مجهوده وأني لم أتدخل إطلاقاً في تحسين تقيمه , والأهم أنه عندما يرسب شخص مسلم (وهذا شيء سيء جداً ومحبط لأي طالب) فأنه خلال ال 5000 شخص لم يحدث مرة واحدة أن قام طالب بالشكوي أو حتي بالتلميح أن هذا تم بسبب أنه مسلم وأني إضطهدته (بل حدث العكس حيث مرة قال لي شاب ملتحي من السلفيين كان قد رسب أنه متأكد أني لم أظلمه بسبب مظهره الديني), هذا إنجاز أفتخر به وأتمني الحفاظ عليه ويهون علي الصعوبة والمعاناة المستمرة من المشي علي الحبل.
- خلاصة التجربة :
المصريين مسلمين وأقباط أناس طيبون وأجتماعيون ومسالمون ولا يميلون للعنف وعندهم سوء نية شديد وخوف مريض فيما يخص أختلاف العقائد , وتدينهم الشكلي المشهور عنهم يحرمهم من متعة الحياة الطبيعية ويجردهم من جزء من إنسانيتهم ويخفي أفضل ما فيهم ويخرج أسوء ما فيهم
لقد جعلتني تجربة التدريس لهذا العدد وهذه السنين أن أغير تفكيري وأتخلص من اللبن الفاسد الذي نرضعه جميعاً لقد أصبحت شخص حر أحب الناس وأتعامل معهم بدون حاجز وحائط الدين والأهم أنها جعلتني أكتشف أن الناس لا يصنفوا كجيدين وسيئين من خلال ديانتهم.
لقد أثبتلي هؤلاء ال5000 شخص أن الدين تحول لشيء أرضي يخص البشر وأن الإيمان المنعكس علي الأعمال هو شيء سماوي يخص الخالق.وأن الأديان تفرق والإيمان يجمع.
صدر بالإضافة لهذه التدوينة من سلسلة تدوينات - تجربة 5001 - حتي أخر تحديث :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق