السبت، 26 مارس 2011

اكتشفت إصابتي بالسرطان

وصل السرطان لمرحلة متقدمة جدا وأتضح طبيا أنه لا يوجد أمل في العلاج والمسألة مسألة وقت , وبعد الحزن والاكتئاب والبكاء المعتاد في هذه الحالة جاء وقت التفكير . وأهم شيئين هما : أولا ماذا سأفعل في الوقت المتبقي في الحياة وكيف سأقضيه وثانيا ماذا يمكن أن أفعل لأبني البالغ 11 عاما الآن كيف سأؤهله لمواجهة المستقبل وهل من الممكن أن أبعده عن هذا المرض الذي ورثته من أهلي .
وهذا المرض الخبيث القاتل ليس هو السرطان المعروف طبيا ولكنه أقرب مثال علي وصف حالة أنني أعيش في دولة ومجتمع ديني, وهو أسوء وأخبث أنواع المجتمعات مثلما السرطان بين الأمراض.
كنا كمجتمع ودولة مصابين بهذا المرض الخبيث منذ أكثر من 50 سنة وبدأت الأعراض تظهر علينا تدريجيا منذ حينها ولكننا استهنا بالمرض ولم نحاول العلاج وأخذنا نخدع أنفسنا ونقول أنها شوية برد أو ألم طبيعي وأن مناعتنا قوية وصحتنا جيدة أفضل من باقي الشعوب , ونتيجة لهذا الغباء والغرور وكبر النفس واستمرارنا في تدخين سيجارة التدين الباطل ( مسلمين وأقباط ) تمكن منا المرض وأنتشر في أغلب خلايا جسمنا ووصل للمرحلة الحالية حيث أصبحت الحلول الطبية والبشرية غير ممكنة . والآن أصبحنا أمام الحقيقة المرة, ومن الغريب أنه يوجد من يتهمني باليأس والإحباط والانهزامية بل وضعف الإيمان والحقيقة أنه يبدو أنهم إما غير واعين لحقيقة الوضع أو غير متقبلين له. وقد يكونوا متفائلين بحدوث معجزة, ولكن هل مريض السرطان علي فراش الموت يجب أن ينتظر المعجزة ؟ وإذا لم تحدث هل سيكفر بالسماء؟ السماء لا يقال لها ماذا يجب أن تفعل, ليس المهم ماذا ستفعل السماء المهم ماذا سأفعل أنا. لذلك فالتفاؤل في عدم موت مصر وتحولها رسميا لدولة دينية هو عدم واقعية وهروب من الحقيقة لحين قدوم الموت الحتمي.
من المعروف طبيا أن حالة الشخص المعنوية قد تساعد في إطالة عمره بضعة شهور , لذلك نجد أنه في مصر يحدث كثيرا أن المريض بالسرطان الذي وصل لمرحلة عدم أمكانية الشفاء لا يقوم أهله وأطباؤه بإخباره بالحقيقة وأيضا لكي لا يكتئب ويقضي الباقي من حياته في هدوء وهو يجهل حقيقة وضعه حتى يأتي الموت فجأة.
هذا حسب الثقافة المصرية الفاشلة أما حسب الثقافة الغربية فيجب إخبار المريض بحقيقة وضعه مهما كان ميئوس منه لأن من حقه أن يعرف ومن حقه أن يقرر كيف سيقضي الباقي من حياته وكيف سيواجه الموت , لذلك أنا الآن أواجه نفسي وأواجه كل من يقرأ هذا الكلام بأن مصر وصلت لحالة ميئوس منها ولا يمكن علاجها والأطباء لا يملكوا إلا المسكنات , الجيش والسياسيين والإسلاميين والكنيسة ...الخ لن يستطيعوا أن يعالجوها, والأسوأ أنهم يصرون علي العلاج الكيماوي المؤلم والغير نافع في مثل هذه الحالة وهذه قسوة غير مبررة منهم. مصر لا زالت تتنفس ولكنها في حكم الميت وفي خلال وقت قصير علي ما أري ستتم مصر ما بدأته منذ 50 عاما ولكن عملية ثورة الشباب هي ما عجل بكشفه وهو تتويج الحكم والمجتمع الديني رسميا. وكل الحالات التي أصيبت بهذا النوع من السرطان لم تنجوا , كلها ماتت ( لا يذكر التاريخ دولة تم حكمها بالدين ونجحت) ومن المؤسف أن أغلب المصريين ( مسلمين وأقباط ) يتحسسون الورم الخبيث في أجسادهم فيبتهجوا ويظنوا أنه أخيرا ظهرت لهم عضلات وأصبحوا أقوياء ( مساكين هؤلاء الأغبياء بجهلهم ).
النهاية: ستعترف بحقيقة المرض أم ستكابر وتتجاهله أو تظنه عضلات قوية ؟ هذا قرار كل شخص , كل إنسان حر في عقله .
بالنسبة للذين يعترفون بحقيقة الوضع وأنا منهم, ماذا سنفعل ؟ وكيف سنواجه المستقبل ؟ وكيف سنواجه الموت المحتم كمجتمع ودولة ؟ هذا بالنسبة لي أهم سؤال, حتى الآن لا أعرف ماذا سأفعل ولكني أعرف ما لن أفعل.
لن أضيع الوقت الثمين في البكاء والرثاء لحالي, البكاء كان له وقت وكفي.
وكذلك لن أتهم الحسد والأعمال مثلما فعل مسلمين قرية صول ليبرروا هدم الكنيسة .
لن شتري كتب معجزات الأم إريني , ولن أبحث عن جلباب أبونا فلان وشال الأنبا فلان , ولن أذهب للقس مكاري يونان ليشفيني أو يخرج مني الروح الشريرة التي قد يدعي البعض أنها سبب هذا المرض لن أشارك في نشر الشائعات عن ظهور مارجرجس والفارس الأخضر والأنوار ...الخ . لن أمتحن الرب وأجربه, لن أهينه هذه الإهانات التي توجه له من الأقباط, لن أرسم له الحل حسب فكري أو الفق له معجزات.
لن أتحول لشخص يكره , سأحاول أن لا أسمح للجهلة والعميان أن يجعلوني أكرههم أو أكره مصر , لن أسمح لهم أن يربحوا وينجحوا في إدخال الحقد لقلبي وأصبح مثلهم .
لن أكره المسلمين بالرغم من عدم موافقتي علي أسلوبهم وأفكارهم وثقافتهم , ولن أكره الأقباط بالرغم من رفضي لأسلوبهم ونظامهم ونفاقهم .
وكذلك لن أفقد إيماني بالرب .
قد يملك الجهلة والعميان جسدي ولكن لن يمتلكوا عقلي ونفسي وروحي إلا إذا سمحت أنا لهم بذلك ولن أسمح .

هناك تعليقان (2):